رام الله - خاص قُدس الإخبارية: تحت ضغط مؤسسات المجتمع المدني والجهات الرقابية من طرف المانحين وكذلك الإعلام، شكلت الحكومة لجنة خاصة لدراسة وضع الهيئات غير الوزارية بهدف دمج وحل بعضها، وهو ما أعلن عنه رئيس الوزراء محمد اشتية في الجلسة رقم 84، والذي حمل اعترافاً ضمنياً أن هذه الخطوة، والتي شملت 63 مؤسسة، من شأنها أن توفر المال العام وتمنع من حالة الترهل وتضخم الكادر الوظيفي.
وفي تاريخ 28 ديسمبر/كانون الأول 2020 صادقت الحكومة الفلسطينية في جلستها رقم 89 على دمج وإلحاق 25 مؤسسة بالوزارات التي انبثقت عنها، وذلك بهدف "ترشيد النفقات ومنع الازدواجية ورفع مستوى التنسيق"، وهو ما حمل اعترافاً صريحاً بأن هذه المؤسسات تشكل عبئاً على الموازنة العامة، لكن الصادم أن هذا القرار الذي اتخذته الحكومة لم ينفذ حتى اليوم وفق تأكيد مصادر مطلعة لـ"شبكة قدس".
وحتى صيغة الإعلان عن دمج المؤسسات حملت مغالطة غير مفهومة، ففي البيان الذي نُشر عن الجلسة المذكورة (جلسة رقم 89) تم ذكر 25 مؤسسة، أما في البيان المصنف تحت بند قرارات مجلس الوزراء فقد تم ذكر 30 مؤسسة، وهو خلل مثبت بالفعل على موقع مجلس الوزراء.
وبحسب المصادر، فإن كلمة السر (الانتخابات) التي جمدت تطبيق قرار دمج وحل المؤسسات، هي نفسها التي دفعت باتجاه قرار وقف مخصصات مؤسسة الشهيد ياسر عرفات وإقصاء ناصر القدوة عن رئاسة مجلس إدارتها، وهو ما يثبت الدوافع من وراء إنشاء هذه المؤسسات كأدوات ترضية أو تسوية خلافات قد تنقلب في لحظة من اللحظات إلى أدوات عقاب.
إزاحة القدوة.. خطوة غير قانونية
لم تقف سلسلة العقوبات التي فرضها الرئيس محمود عباس على د.ناصر القدوة عند حد فصله من عضوية مركزية فتح، وإن كان هذا القرار مخالفاً للنظام الداخلي للحركة، لكنه يبقى إلى حد ما شأناً داخلياً يعنيها وأعضاءها، لكن قرار إزاحته عن رئاسة مجلس إدارة مؤسسة ياسر عرفات وتعيين مستشار الرئيس القانوني علي مهنا بدلاً منه، يحمل في طياته مخالفات قانونية ومفارقات كبيرة تتعلق بالمؤسسات العامة غير الوزارية ككل.
يخالف قرار إزاحة القدوة بقرار من الرئيس، القانون الأساسي المعدل لعام 2005، والذي ينص في الفقرة 9 من المادة 69 على أن إنشاء أو إلغاء الهيئات والمؤسسات العامة غير الوزارية أو ما في حكمها من وحدات الجهاز الإداري هو من صلاحيات مجلس الوزراء وليس مؤسسة الرئاسة، على أن تنظم هذه الهيئات بقانون داخلي يحدد الطريقة التي تختار فيها رئيسها أو تزيحه، وهو ما أعلن عنه القدوة بأن قرار تعيين أو إقالة رئيس مؤسسة ياسر عرفات يخضع لمجلس أمناء المؤسسة، وهم المخولون فقط في هذا الأمر.
لكن السنوات التي تلت غياب المجلس التشريعي، شهدت إنشاء عشرات المؤسسات والهيئات غير الوزارية عبر قرارات بقوانين من الرئيس، وهو ما شكل حالة من "تفريخ المؤسسات" بصورة غير دستورية وصل عددها حتى نهاية عام 2020 حوالي 40 مؤسسة، تتمتع كل واحدة منها بالاستقلال المالي والمعنوي، ما يعني أنها تتلقى ميزانية خاصة من الموازنة العامة.
مؤسسات حكومة الظل
وتتلخص أهداف إنشاء هذه المؤسسات، في ظل غياب وتعطيل المجلس التشريعي، إتاحة حالة سيطرة لمؤسسة الرئاسة على الحالة الإدارية ككل، من خلال بناء منظومة مؤسسات تشكل حكومة ظل تُدار من قبل مؤسسة الرئاسة، وهو ما يفقد مجلس الوزراء وبعض الوزارات الفعالية والصلاحية، ومن الأمثلة على ذلك: مجلس القضاء الأعلى الذي أصبح ينازع وزارة العدل صلاحياتها بما يخالف قانون السلطة القضائية مثلا في مسألة الإشراف الإداري على المحاكم.
أما الهدف الآخر لإنشاء هذه المؤسسات، فتمثل في إرضاء بعض الأشخاص والمقربين، الذين إما يرفضون العمل تحت ظل الوزير أو الوزارة، أو أنهم يريدون مقابلا لامتيازات أو مناصب خسروها في إطار المعادلات الداخلية للسلطة وحركة فتح، وكل ذلك يجري ويحدث على حساب الموازنة الفلسطينية التي تعاني أصلا من العجز الدائم.
الانتخابات ولعبة المؤسسات.. الشعب ضحية
وتوضح المصادر أن دمج وحل الهيئات كاد أن يخلق أزمة مكشوفة داخل السلطة وحركة فتح، وبسبب تزامن ذلك مع الإعلان عن إجراء الانتخابات العامة، توقف القرار عند حد الإعلان، ولم يتم اتخاذ قرارات فعلية في هذا الشأن، ولم يتم المصادقة عليه من قبل الرئيس، منعا لمزيد من الخلافات في مرحلة تعتبرها فتح حساسة بالنسبة لها.
وإلى حين الانتهاء من أجواء الانتخابات ومخاوف فتح والسلطة، فإن المؤسسات المشار إليها بالدمج ستبقى عبئا على المال العام، بحسب اعتراف الحكومة نفسها، وهو عقاب جماعي للشعب الذي تهدر ميزانيته في معادلات حزب السلطة، وحتى تبرير مسؤول المكتب الإعلامي للتعبئة والتنظيم منير الجاغوب لوقف مخصصات مؤسسة ياسر عرفات بالتخوف من استخدام أموالها في الانتخابات، يحمل اعترافا ضمنيا من شقين: الأول، أن هذه المؤسسات لا تعمل ضمن ضوابط مالية وإدارية وبالتالي يسهل استخدام أموالها في غير أهدافها المعلنة. الثاني، أنها جزء من لعبة الانتخابات وتسوية أوضاعها مرتبط بذلك.
ويرى أستاذ القانون الدستوري محمد خضر، أن "هناك ظاهرة نشوء مؤسسات عامة لأشخاص، بمعنى أن هناك شخصا يعتقد أن وجود هذه المؤسسة ضروري ويعمل نوعا من الضغط على المستوى السياسي لإنشاء مثل هذه المؤسسات".
وقال خضر، إن هذه المؤسسات لها بعدان، الأول داخلي يتمثل باستفادة مجموعة من الأشخاص من نشوء هذه المؤسسات، وعلى مستوى الدولة بأن تكون مثالا لدول كبرى تحتوي على مثل هكذا مؤسسات".
وبحسب أستاذ القانون الدستوري، فإن هذه الظاهرة غير منظمة وارتجالية في ظل عدم وجود سلطة تشريعية تنظم وتراقب عملها، ينشأ عنها مؤسسات عامة، بعضها تؤدي نفس الدور وأخرى لا دور لها.
وقال: لو حدث وتم دمج هذه الهيئات، "سنقع في إشكالية تتمثل في تراكم الترهل الموجود أصلا في هذه الهيئات والمؤسسات".